|
لم يعد الأمن القومي يقتصر على اقتناء البوارج الحربية والطائرات المقاتلة فحسب، بل بات يشمل أيضاً أكواد الشفرات البرمجية، وخوارزميات الذكاء الاصطناعي، والأقمار الصناعية المصغرة. ساحة المعركة تتطور، ومعها تتغير طبيعة المصادر التي تعتمد عليها الدول للحصول على أحدث تقنيات الدفاع وتطوير قدراتها الدفاعية. وتُلخّص المقولة القديمة بأنه لا يمكنك شراء البرمجيات بنفس الطريقة التي تشتري بها حاملة طائرات هذا التحول العميق، إذ أصبحت أحدث التقنيات الدفاعية تُستمد على نحو متزايد من العقول المبتكرة والشركات الناشئة القادرة على قلب موازين الصناعة، بدلاً من الشركات العملاقة الراسخة. تشهد ميزانيات الدفاع حول العالم تركيزاً لافتاً على التحول من الاستثمار في صناعة المعدات التقليدية الثقيلة إلى الاستثمار في التقنيات المتقدمة، مثل الأنظمة ذاتية التحكم وأدوات الأمن السيبراني، والبنية التحتية الفضائية. ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية وتعقّد التهديدات، تُعيد المملكة العربية السعودية النظر في استثماراتها الدفاعية. ![]() وتأتي هذه المبادرة برعاية الهيئة العامة للصناعات العسكرية (GAMI)، مؤسسة معرض الدفاع العالمي بالتعاون مع الشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI)، حيث يساعد المعرض في دعم طموحات المملكة لتوطين أكثر من 50% من إنفاقها الدفاعي بحلول 2030 ضمن القطاع الصناعي في البلاد. ![]() هذه الدراسة صادرة عن وحدة أرقام³ إنتليجنس، وتهدف إلى تحليل أبرز التحولات الاستراتيجية في القطاع الصناعي تصدّرت المملكة العربية السعودية دول الخليج العربي من حيث حجم الإنتاج الصناعي، مع قاعدة صناعية آخذة في التوسع، مستهدفةً تشييد 36 ألف مصنع بحلول 2035. سجّلت المملكة نموًا إجماليًا في الناتج المحلي غير النفطي بفضل تنويع اقتصادها انطلاقا من الإنتاج الصناعي، ومن المتوقع أن تصل نسبة النمو إلى 5% بنهاية العام. اضغط هنا للاطلاع على التقرير الاقتصادي الكامل. بدأت الشركات الخاصة والشركات الناشئة في قطاع الدفاع تلعب دوراً أكبر في الابتكار العسكري السعودي. فعلى عكس المتعاقدين التقليديين، تعمل هذه الجهات بوتيرة أسرع وتستفيد من مهارات متقدمة تجلبها من مجالات التكنولوجيا التجارية مثل البرمجيات والروبوتات وتحليل البيانات. ويغيّر هذا الصعود الطريقة التي تعتمدها الحكومات في شراء الحلول الدفاعية في ظل الاضطرابات الجيوسياسية بالشرق الأوسط، مع تزايد التوجه نحو شراكات أكثر مرونة، وتمويلات على غرار استثمارات رأس المال المغامر، وحاضنات ابتكار تسهم في تطوير تقنيات دفاعية جديدة في مراحل مبكرة. كما أن عمليات الاستحواذ على الشركات الناشئة باتت تترك أثراً مباشراً في كيفية إعداد ميزانيات الدفاع اليوم. وبحسب أحدث بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، فقد حقق الإنفاق العسكري العالمي رقماً قياسياً بلغ 2.718 تريليون دولار في 2024. يمثل ذلك زيادة حقيقية غير مسبوقة تُقدَّر بنحو 9.4% مقارنةً بعام 2023، وهي أكبر زيادة منذ نهاية الحرب الباردة، مدفوعة بارتفاعات كبيرة في أوروبا (خصوصاً ألمانيا) والشرق الأوسط، مع تصدّر الولايات المتحدة والصين وروسيا للإنفاق العسكري العالمي. وفي الشرق الأوسط، بلغ الإنفاق العسكري نحو 243 مليار دولار في 2024، بزيادة 15% مقارنةً بعام 2023، ونحو 19% أعلى مما كان عليه في 2015. ![]() ⚔️ الشركات الناشئة تتفوق اقتصاديا على عمالقة الدفاع في حين تظل شركات الدفاع الكبرى ضرورية للإنتاج على نطاق واسع، والتكامل، والدعم طويل الأجل، فإن الحقائق الاقتصادية لتطوير التقنيات المتخصصة والمتقدمة تُرجِّح بشكل متزايد نموذج الشركات الناشئة الدفاعية المرن وسريع التطور. انخفاض معدل استهلاكها للموارد (burn rate) مقارنة بالشركات الكبرى لا يُعد مجرد مؤشر مالي؛ بل هو مُسرِّع استراتيجي للابتكار في الحروب الحديثة. ![]() ![]() تُموَّل هذه الشركات الدفاعية الناشئة في الغالب من رؤوس أموال استثمارية مغامرة، والتي لا توفر التمويل فحسب، بل تقدم أيضاً الإرشاد والخبرة السوقية التي تساعد تلك الشركات على صقل نماذج أعمالها، وتحديد التقنيات ثنائية الاستخدام (في الشقين التجاري والدفاعي) ذات الجدوى التجارية الأوسع، وتسريع انتقال الأفكار المبتكرة من مرحلة النماذج الأولية من إلى مرحلة التطبيق الفعلي. ويمثل ذلك تحولاً واضحاً عن نمط التمويل التقليدي الذي تتبعه الشركات الدفاعية الكبرى، والتي تعتمد بدرجة كبيرة على عمليات المشتريات الحكومية المعقدة والمنح وميزانيات البحث والتطوير داخل المؤسسات الراسخة. ومن بين الابتكارات اللافتة التي عُرضت في معرض الدفاع العالمي 2025 في السعودية، ابتكار طوّرته شركة ديفينسفير (Defensphere) الإستونية - الكرواتية. كانت شركة التقنيات الدفاعية الناشئة قد تأسست في يناير 2021 على أيدي ثمانية مؤسسين فقط من إستونيا وكرواتيا، ويضم فريقها محترفين من خلفيات عسكرية وصناعات دفاعية ومجالات الطائرات المسيّرة. وتمثّل ابتكار ديفينسفير الرائد في نظام يُسمّى (Vegvisir)، وهو عبارة عن منظومة متقدمة للمركبات المدرعة تتيح رؤية محيطية غامرة بزاوية 360 درجة من داخل المركبة المدرعة. ويعالج هذا الابتكار مشكلةً حرجة مهددة للحياة في البيئات القتالية، والتي تتمثل في ضعف الوعي بالموقف الميداني للجنود داخل المركبات المدرعة، مما يحد من قدرتهم على فهم ما يدور حولهم واتخاذ قرارات سريعة وفعّالة تحت التهديد. مع احتدام الصراعات على عدة جبهات حول العالم، برز قطاع الدفاع كأحد أكبر رهانات عام 2025. فقد ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 للدفاع والطيران بنسبة 34% منذ بداية العام، بينما قفز نظيره الأوروبي بنسبة 75%. كما ضخّت صناديق رأس المال المغامر أكثر من 19 مليار دولار في الشركات الناشئة في قطاع التقنيات الدفاعية خلال الربع الثاني من 2025، وفق بيانات شركة بيتش بوك (PitchBook)، مسجلةً ارتفاعاً بنسبة 200% مقارنةً بالعام الماضي. وتشير بيانات شركة بيتش بوك حول أداء قطاع الصناعات العسكرية خلال الربع الثالث من 2025، إلى أن المستثمرين ضخّوا قرابة 40 مليار دولار في الشركات الناشئة المرتبطة بالتقنيات الدفاعية منذ بداية 2025. وعلى مدار عقود، كان أصحاب رأس المال المغامر يتجنبون دعم الصناعات المعتمدة على التقنيات والمعدات عالية التكلفة والتطوير، لا سيما الصناعات الدفاعية التي تتطلب رؤوس أموال ضخمة وتستغرق دورات تطوير طويلة ومعقدة. غير أن هذا الاتجاه يشهد تحولاً ملحوظاً اليوم في الغرب والشرق الأوسط. وقد فتح هذا التحول المجال أمام الشركات الناشئة لابتكار حلول أكثر ذكاءً وفعالية وأقل تكلفة في قطاع الدفاع، ما يجعلها منافساً متنامياً للشركات الدفاعية الراسخة. |
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |