شعار أرقام ويك اند شعار أرقام ويك اند
English
شعار أرقام ويك اند
الرئيسية الإصدارات اشترك تواصل معنا موقع بوابة أرقام
الأسبوع #59 > "الذهب الأخضر" الجديد: هل تُغير  السعودية خريطة "الماتشا" العالمية؟





 

"الذهب الأخضر" الجديد
هل تُغير  السعودية خريطة "الماتشا" العالمية؟

 

تشهد أروقة سوق الشاي العالمية تحولاً جذرياً، مع تغير أنماط الطلب التقليدية وظهور تفضيلات استهلاكية جديدة. فقد تراجعت صادرات الشاي الكيني الأسود الشهير، التي شكلت الركيزة الأساسية للاقتصاد الوطني، على نحو لافت بنسبة %21 خلال السنوات الأخيرة.
  
يشيرهذا المنحنى إلى ضعف متزايد في الطلب من المستوردين التقليديين، وعلى رأسهم مصر، أكبر دولة عربية من حيث التعداد السكاني. ويُعزى هذا الانكماش، بشكل أساسي، إلى الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلدان المستوردة التقليدية من جهة، وميل المستهلكين نحو بدائل صحية من منتجات الشاي من جهةٍ أخرى.
علاوة على ذلك، فاقمت التطورات الجيوسياسية التي أعقبت انتخاب دونالد ترامب في الولايات المتحدة العام الماضي، من تعقيدات تجارة الماتشا، أحد أشهر منتجات الشاي الأخضر من مسقط رأسه، اليابان. وقد تجلى هذا التغير الجذري في وقت سابق من الشهر الجاري (أغسطس 2025) في فرض الولايات المتحدة تعريفة جمركية بلغت 15% على البضائع اليابانية.

ونظراً لمكانة اليابان التاريخية كمركز لإنتاج شاي الماتشا، فإن هذه التعريفات الجمركية من شأنها أن تؤدي إلى زيادة كبيرة في التكلفة الإجمالية للإنتاج والتصدير، ما يزيد من تكلفتها على الموزعين وتجار التجزئة، وصولاً إلى المستهلك النهائي سواء كان في اليابان أو السعودية، كما سنشرح لاحقا في هذا التحليل.
ولكن حتى قبل فرض تعريفات ترامب، كان إنتاج الماتشا في اليابان يمر باضطرابات خلال العامين الماضيين. يعود السبب الرئيسي في ذلك إلى الزيادة المستمرة في الطلب داخل الأسواق المحلية والعالمية. فمتجر واحد في طوكيو، على سبيل المثال، يبيع ما يعادل إمدادات شهر كامل من مسحوق "الماتشا" في يوم واحد فقط.

كما يُعد النقص الحاد في أعداد المزارعين عاملاً حاسماً أيضاً، حيث تقلصت أعدادهم من أكثر من 53 ألف مزارع في عام 2000 إلى أقل من 12 ألف مزارع حالياً، وذلك بسبب عدم رغبة الأجيال الشابة في امتهان هذه الوظيفة. وهذا يعني ارتفاعاً فورياً في الأسعار، كما يُوضح الجدول التالي:








ارتفع سعر التينشا، أوراق الماتشا الفاخرة المقطوفة يدوياً، من 20 ألف ين للكيلوجرام تقريباً في 2024 إلى أكثر من 43 ألف ين للكيلوجرام في 2025، أي أكثر من الضعف. وعند تحويل هذه الأسعار إلى الريال السعودى وفقاً لسعر الصرف الحالي وقت كتابة هذا التحليل، 9 أغسطس 2025 (1 ريال سعودي = 39.6 ين)، نجد أن تكلفة الإنتاج في اليابان قفزت من 500 ريال تقريباً إلى أكثر من ألف ريال للكيلوجرام في غضون عام واحد فقط.
لا يقتصر استيراد الماتشا من اليابان إلى السعودية على تكلفة المنتج الأساسية وحسب؛ بل يشمل أيضاً تكاليف إضافية للشحن والتعريفات الجمركية والمناولة (التكاليف المرتبطة بنقل البضائع وتجهيزها للشحن، بما في ذلك العمالة والتعبئة والتغليف والمعدات، ويمكن أن تشمل أيضاً تكاليف التخزين في المستودعات). هذه التكاليف الإضافية ترفع سعر السوق النهائي، مما يجعل الماتشا المستوردة أكثر تكلفة للمستهلكين.

🇰🇪
آمال "الماتشا" الكينية


عندما قررنا تحليل واستكشاف ما يمكن أن تكون سوقاً متخصصة وفرصة استثمارية كبيرة محتملة لزراعة الماتشا خارج موطنها الياباني التقليدي، وجدنا أنفسنا منجذبين إلى كينيا. ليس فقط بسبب خصائصها المناخية والزراعية الفريدة، ولكن أيضاً لكونها تتمتع بمنظور اقتصادي جذاب لا سيما بسبب التراجع المستمر في مبيعات الشاي الأسود، كما أسلفنا، الأمر الذي جعلنا نفكر في نموذج استثماري تحولي جديد في أراضي الشاي العتيقة.
لكن بداية، تمثل زراعة الماتشا في المملكة العربية السعودية مقترحاً غير معقول من الناحية المالية. ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى الظروف المناخية والتربة غير المناسبة لإنتاج الشاي في البلاد، حيث تتطلب تهيئة البيئة المضبوطة اللازمة لزراعة الشاي استثماراً رأسمالياً كبيراً في البنية التحتية، مثل أنظمة الري والتحكم في المناخ وتعديل التربة، ما يفاقم التكاليف التشغيلية بشكل كبير.

ومن اللافت للنظر أن العديد من المناطق في كينيا، مثل مرتفعات كيريشو و نيري و بوميت  غرب الوادي المتصدع الكبير، تتشارك هذه الخصائص تحديداً، حيث تتمتع هذة المناطق بتربة بركانية حمراء جيدة التهوية ومرتفعات مناسبة تتراوح بين 1500 و2700 متر. بالإضافة إلى البنية التحتية القائمة لصناعة الشاي في كينيا والخبرة المتنامية لدى صغار وكبار المزارعين، تُمثل تلك الأراضي الخصبة فرصة غير مستغلة للمستثمرين المؤسسيين السعوديين لريادة فصل جديد في مساعدة الكينيين على تهيئة الأرض لإنتاج الشاي الأخضر، بكلفة تقل بكثير عن كلفته اليابانية، كما سنوضح.

 

🇸🇦
الاستثمار السعودي في "لامو"

من الناحية الاقتصادية، تُولي المملكة العربية السعودية اهتماماً خاصاً لخلق موطئ قدم تجاري ولوجستي  في أكبر اقتصادات شرق أفريقيا عبر ميناء لامو الجديد، تماماً كما فعلت عندما وقعت عقداً مع جيبوتي العام الماضي لإنشاء المدينة اللوجستية السعودية في المنطقة الحرة بالميناء الرئيسي للبلد الأفريقي.
تقع هذه المنطقة اللوجستية السعودية بالقرب من مضيق باب المندب، وهو ممر ملاحي حيوي يربط البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب. وهذا الموقع يمنح المملكة وصولاً سريعاً وفعالاً إلى الأسواق الأفريقية والعالمية، ما يُمكنها من شحن منتجات الماتشا الكينية بسرعة أكبر إلى الأسواق السعودية والشرق أوسطية الأوسع نطاقاً.




تتميز المنطقة اللوجستية السعودية في جيبوتي بمرافق تخزين حديثة مزودة بأنظمة للتحكم في درجات الحرارة والرطوبة، وهو أمر بالغ الأهمية للحفاظ على مسحوق الماتشا، شديد الحساسية للحرارة والضوء والرطوبة، وذلك لإبقائه طازجاً والحفاظ على خصائصه الغذائية أثناء نقله إلى الأسواق السعودية. كما تُقدم المنطقة اللوجستية خدمات مناولة متخصصة تُقلل من تعرض مسحوق "الماتشا" للملوثات أو التلف المادي.
على الجانب الآخر، تتمتع موانئ التصدير اليابانية بخدمات لوجستية عالية الجودة وسلسلة تبريد مزودة بتقنيات متطورة تُلائم متطلبات نقل الماتشا الفاخرة المعاد تصنيعها والمُخصصة للتصدير. مع ذلك، يوفر الطريق الكيني عبر الشحن البحري خياراً متميزاً جغرافياً واقتصادياً لنقل مسحوق الماتشا السائب إلى المملكة العربية السعودية.

يقع ميناء لامو الكيني على بعد 3 آلاف كيلومتر تقريباً من ميناء جدة السعودي عبر ممرات الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن، وتستغرق الرحلة بينهما قرابة 12 يوماً. في المقابل، تبلغ المسافة البحرية من طوكيو باليابان إلى جدة حوالي 10 آلاف كيلومتر، مع الأخذ في الاعتبار المرور عبر بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي والبحر الأحمر.
ويمكن أن تستغرق الرحلة من ميناء ياباني رئيسي مثل يوكوهاما إلى جدة حوالي 20 يوماً و18 ساعة عن طريق البحر. تعني هذه المسافة، الأقصر من كينيا، تقليل استهلاك الوقود وانخفاض رسوم الشحن وتقصير أوقات العبور، مما يُخفض التكاليف الإجمالية لعملية النقل برمتها. بالإضافة إلى ذلك، يسمح قرب كينيا بجدولة شحن أكثر تواتراً ومرونة، مما يقلل من تكاليف الاحتفاظ بالمخزون والمخاطر المرتبطة بالرحلات البحرية الأطول من اليابان.





 
🔎
سر التفوق الكيني إذا أنتجت "الماتشا" 

تستفيد صناعة الشاي في كينيا بشكل كبير من انخفاض تكاليف العمالة والأرض والتشغيل مقارنةً باليابان، مما يُترجم إلى نفقات إنتاج أقل بكثير.
على سبيل المثال، عندما بحثنا في المصادر اليابانية والكينية مفتوحة المصدر على الإنترنت، وجدنا أنه الأجر اليومي للمزارع الماهر في كينيا يبلغ نحو 400 شلن كيني، وهو ما يقارب 12 ريالاً. في المقابل، يكسب المزارع الماهر في اليابان حوالي 952 ين ياباني في الساعة، أي ما يعادل 24 ريالاً تقريباً. وعلى مدى يوم عمل من ثماني ساعات، يصل هذا المبلغ إلى 192 ريالاً في اليوم.

بمقارنة هذه الأرقام، يتضح أن تكلفة العمالة اليومية في اليابان أعلى بحوالي 16 مرة من نظيرتها في كينيا (192 ريالاً مقابل 12 ريالاً في اليوم). ونظراً لأن العمالة تُشكل جزءاً كبيراً من تكاليف الإنتاج في زراعة الشاي، فإن هذا الفارق الكبير يعني أن إنتاج الماتشا في كينيا أرخص بكثير. 
على سبيل المثال، إذا كانت تكلفة إنتاج كيلوجرام واحد من الماتشا في اليابان تقارب ألف ريال، وتمثل العمالة 30% من هذه التكلفة (300 ريال تقريباً)، فإن تكلفة العمالة لنفس الكيلوجرام في كينيا ستكون حوالي 18.75 ريالاً فقط. (لا تستغرب! مثلا قطعة أثاث ككرسي صغير مصنوع في إحدى قرى أفريقيا، تبلغ كلفته الأصلية ما يعادل 50 ريالا سعوديا، فيما يباع في لندن أو باريس بـما يعادل 300 ريالا)

وعند أخذ هذه الوفورات في تكاليف العمالة، بالإضافة إلى انخفاض تكاليف الأرض والتشغيل، بعين الاعتبار، يمكن أن تكون تكلفة الإنتاج في كينيا ببساطة أقل من نصف تكلفة إنتاج  الماتشا في اليابان. أيضاً، بما أن الريال السعودي أقوى من الشلن الكيني، فإن تحويل التكاليف إلى الريال السعودي يُعزز إمكانية تحمل التكاليف التنافسية للإنتاج الكيني.



🔦
تغيير ثقافة المشروبات في المملكة العربية السعودية

وفقاً لتقرير حديث صادر عن مجموعة "آي مارك" (IMARC Group)، يُقدر حجم سوق الشاي الأخضر في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك الماتشا، بإجمالي 140.14 مليون دولار، ومن المتوقع أن ينمو إلى 229.24 مليون دولار بحلول 2033. كما تضاعفت قيمة واردات الشاي الأخضر المعبأ بين عامي 2020 و2023، ما يشير إلى تزايد الإقبال على المشروبات الفاخرة الصحية.
يتجلى هذا الطلب المتنامي في قوائم المقاهي ومنشورات منصات التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء المملكة. فمشروبات الماتشا لاتيه، التي اقتصر تقديمها قبلاً على المقاهي المتخصصة، أصبحت الآن مشروباً أساسياً في المقاهي العصرية والمطابخ المنزلية على حدٍ سواء.

غير أن الفوائد الصحية لشاي الماتشا تتجاوز التصورات الشائعة، فهو غني بمركبات نشطة حيوياً، أبرزها مركب إيبيجالوكاتيشين جالات (EGCG)، وهو مضاد أكسدة قوي. تُسلط الأبحاث المكثفة الضوء على دور المركب سالف الذكر في الحد من الالتهابات الجهازية، وتحسين وظيفة بطانة الأوعية الدموية لدعم صحة القلب والأوعية الدموية، وتعزيز التأثيرات الواقية للأعصاب التي قد تُحسن الأداء المعرفي.
علاوة على ذلك،كشفت دراسة أكاديمية حديثة أُجريت في السعودية، ونُشرت في وقت مبكر من العام الجاري، أن أكثر من 50% من المشاركين أدركوا إمكانات الماتشا في دعم الصحة الأيضية، مشيرين بشكل خاص إلى فعاليتها الملحوظة في انقاص الوزن وتنظيم مستويات السكر في الدم.

وتتوافق هذه النتائج مع الأدلة السريرية التي تشير إلى أن شرب الماتشا بشكل منتظم قد يُعدل حساسية الأنسولين ويُعزز أكسدة الدهون، مما يُسهم في شهرتها المتنامية كمشروب مفيد له تأثيرات صحية متعددة الأوجه. 
أخيراً، لا يُعد هذا الذهب الأخضر مجرد مشروب عادي؛ بل يُمثل تقديراً متجدداً لتقليد عريق في اليابان، جنباً إلى جنب مع فكرتنا الأصلية التي ربما تُسفر عن ابتكار مدروس وفرصة استثمارية جديدة للسعودية.
أقرأ أيضــــاً
سعر التعادل النفطي  لـ بلومبرج: لماذا لا يُعدّ مؤشراً كافياً للحكم على الوضع المالي للسعودية؟
سعر التعادل النفطي لـ بلومبرج: لماذا لا يُعدّ مؤشراً كافياً للحكم على الوضع المالي للسعودية؟
تُسلّط التحليلات الأخيرة لأحد الخبراء الاقتصاديين في وكالة بلومبرج الضوء على تحديات جوهرية تواجه الاقتصاد السعودي في خضمّ تقلبات أسعار النفط. غير أن التركيز المتكرر منه على اعتبار ارتفاع سعر التعادل المالي المؤشر الأوحد على قوة الوضع المالي للمملكة
"معضلة ""مشاركة الأرباح"" مع المواهب الأجنبية في الخليج"
تشهد شركات الاستثمار في الأسهم الخاصة في منطقة الخليج حراكاً دؤوباً لاستقطاب المواهب المرموقة من المراكز المالية العالمية مثل وول ستريت ولندن، سعياً لتعزيز تنافسيتها وتوسيع نفوذها العالمي.
Facebook
Twitter
LinkedIn
Instagram
YouTube
حمل تطبيقاتنا
تحميل تطبيق أرقام
تحميل تطبيق أرقام أندرويد
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة