|
تشهد شركات الاستثمار في الأسهم الخاصة في منطقة الخليج حراكاً دؤوباً لاستقطاب المواهب المرموقة من المراكز المالية العالمية مثل وول ستريت ولندن، سعياً لتعزيز تنافسيتها وتوسيع نفوذها العالمي. ويُعد نظام مشاركة الأرباح أحد أبرز الحوافز المستخدمة لاستقطاب هذه الكفاءات في الغرب، حيث يهدف إلى مواءمة تعويضات الموظفين مع أداء الصناديق لتحفيزهم على تحقيق عوائد استثنائية. في شركات الأسهم الخاصة، غالباً ما يُمنح خبراء الاستثمار حصصاً في الشركة كجزء من حزمة تعويضاتهم. وتمثل هذه الحصة نصيبهم من الأرباح التي يُحققها صندوق تحوط أو شركة أسهم خاصة عند بيع إحدى الشركات التابعة لها. ووفقاً لتقرير أصدرته "بلومبرج" بتاريخ 7 أغسطس، لوحظ تزايد استفسارات المرشحين للوظائف في الخليج عن إمكانية تطبيق نظام مكافآت الأداء عن طريقة مشاركة الأرباح.
ولكن، هل هذا النموذج ملائم لبيئتنا الإقليمية؟ في حين قد تكون هذه الأنظمة لمشاركة الأرباح فعالة في جذب الكفاءات وتحفيزها، إلا أنها تنطوي على مخاطر مالية وقانونية وتحديات من منظور مشاركة ملكية الشركات، لا سيما بالنسبة لكبار المالكين المؤسسيين مثل صناديق الثروة السيادية. تُعد مشاركة الأرباح في جوهرها تكلفة عمالة متغيرة مرتبطة بربحية الشركة أو الصندوق، وليست أجراً ثابتاً. وقد يؤدي هذا إلى دفع مبالغ ضخمة عندما تكون الأرباح مرتفعة، ما يقلل بدوره من صافي العائدات للشركة أو المالكين الأساسيين. وفي سنوات الأداء الاستثنائي، يمكن أن تتصاعد هذه المدفوعات لتخلق ضغطاً على التدفق النقدي أو تتطلب رأسمالاً إضافياً للوفاء بالالتزامات. فإذا كانت شركة أسهم خاصة أو صندوق تحوط يطمح لتحقيق معدل عائد داخلي (IRR) بنسبة 12% على رأسماله، ولكنه مُلزم بمشاركة الموظفين بنسبة 20% من الأرباح، فإنه فعلياً لا يجني سوى 80% من هذا العائد، ومن ثم يتراجع معدل العائد الداخلي الفعلي إلى 9.6% تقريباً قبل احتساب التكاليف الأخرى. علاوة على ذلك، تُدير صناديق الثروة السيادية في الخليج مئات المليارات من الدولارات في صورة أصول. بالتالي، حتى نسبة مئوية ضئيلة تُخصص لمشاركة الأرباح مع مجموعة من الموظفين في الشركات التابعة له، يُمكن أن تُترجم إلى مبالغ نهائية ضخمة. لتبسيط التحليل، سنفترض أن صندوقاً ما يُدير 500 مليار دولار ويُخصص 10 مليارات دولار لشركات الأسهم الخاصة، فإن حصة الأداء بنسبة 20% على أرباح بقيمة مليار دولار تُساوي 200 مليون دولار تُدفع كمشاركة حصة أرباح. وعليه، يذهب مبلغ كبير من رؤوس الأموال العامة أو التي تُديرها الدولة إلى فئة من الموظفين. في المقابل، عندما تتراجع الأرباح خلال فترة من الركود الاقتصادي، قد يظل الموظفون يتوقعون حداً أدنى من الأجور أو المكافآت للإبقاء عليهم، حتى لو كانت الأرباح منخفضة. الأمر الذي قد يُعرّض الشركة لضغوط مالية كونها مُلزمة بدفع مكافآت الموظفين على الرغم من تراجع إيراداتها وأرباحها بحسب التعاقد في مرحلة التفاوض. بالإضافة إلى ذلك، يشترط نظام مشاركة الأرباح المتوافق مع الشريعة الإسلامية، المطبق في العديد من شركات الأسهم الخاصة في الخليج، أن يتقاسم المشاركون الأرباح والخسائر على حد سواء. وهذا يعني أنه لا يُمكن للمستثمرين أو الشركاء أن يتوقعوا الحصول على عوائد دون تحمل مخاطر الخسائر المحتملة. فهل ستقبل الكفاءات الأجنبية بهذه القواعد غير المعمول بها في وول ستريت؟
🔎 وبما أن كل موظف يتلقى جزءاً ضئيلاً فقط من إجمالي الأرباح، فإن الحافز لبذل أقصى جهد يتضاءل، خاصة مع زيادة حجم المجموعة، كما ورد في دراسة حديثة بعنوان: مشاركة الأرباح: هل هي أداة لتحسين إنتاجية الشركات وربحيتها وتنافسيتها؟. عندما يُدرك الموظفون أن جهودهم الفردية لا تُؤثر بشكل كبير على إجمالي الأرباح الموزعة على المجموعة بأكملها، فقد لا يبذلون قصارى جهدهم. وبما أن كل شخص يحصل على جزء صغير فقط من المكافأة، فقد يشعر الموظف أن الأمر لا يستحق بذل جهد إضافي. نتيجة لذلك، قد لا تُحقق خطة مشاركة الأرباح هدفها المتمثل في تعزيز الإنتاجية. فبدون آليات فعالة لمكافحة التراخي، مثل مراقبة الأقران أو المنافسة الداخلية بين الفرق أو التصميم الدقيق لأنظمة الحوافز، يُمكن أن يُؤدي نظام مشاركة الأرباح إلى مدفوعات لا تتناسب مع القيمة الفعلية المُضافة، مما يُسبب الإحباط ويجعل انعدام الكفاءة المالية أمراً محتملاً.
💵
نزاعات قانونية مكلفة تساعد الأحكام الواضحة بشأن كيفية التعامل مع حصص الأرباح في حالات إنهاء الخدمة أو التسريح أو إعادة الهيكلة على الحد من خسائر يمكن للشركة تفاديها.فمن دون إطار قانوني محكم، قد تنشأ غموضات تتعلق بالأهلية، والتوقيت، وآلية توزيع حصص الأرباح، خصوصًا عند تغيّر وضع الموظف داخل الشركة. هذا الغموض قد يدفع الموظفين إلى الطعن في المدفوعات أو الحقوق، مما يؤدي إلى نزاعات قانونية مكلفة وفقا لقوانين العمل في الدولة الخليجية ذات الصلة. وقد تُجبر الشركة على دفع حصص الأرباح المتنازع عليها بأثر رجعي للموظفين المفصولين، إلى جانب الفوائد، والغرامات، ورسوم المحكمة، مما يشكل عبئًا ماليًا غير متوقع يؤثر على التدفق النقدي، فضلًا عن الإضرار بسمعة صاحب العمل. وإذا كان نظام المشاركة في الأرباح مرتبطًا بأداء الموظف في قسم معين أو مشروع محدد، فإن نقل الموظف إلى قسم آخر قد يؤدي إلى فقدان حقه في المشاركة، ما لم ينص العقد على استمرار الأحقية بغض النظر عن التغيير.
⁉️
فخ الصراعات الجيوسياسية جون، محلل مالي موهوب من لندن، تم استقطابه للعمل في شركة مرموقة للأسهم الخاصة في الشرق الأوسط بفضل نظام حوافز مغرٍ لمشاركة الأرباح، وليس الأجر الثابت المتفق عليه مسبقاً في مرحلة المفاوضات. كان الوعد واضحاً: إذا ازدهرت الشركة، سيجني مكافآت مجزية تفوق راتبه الثابت بكثير. وحالماً بتحقيق أهدافه المالية الطموحة، أقدم جون على الانضمام للشركة بحماس.بعد أشهر قليلة من عمله، اندلعت عاصفة جيوسياسية مع نشوب الحرب بين إيران وإسرائيل، ما زعزع استقرارالمنطقة، وترددت أصداء العاصفة عبر الأسواق. تراجعت أرباح شركة الاستثمار في الأسهم الخاصة بشكل حاد، ليس بسبب سوء أداء جون مطلقا؛ بل بسبب عوامل جيوسياسية خارجة عن سيطرته تماماً. ![]() تقلصت مكافآت المحلل المالي التي كانت تبدو واعدة بسبب مشاركة الأرباح إلى لا شيء تقريباً، ما جعله يواجه انتكاسة مالية لم يتوقعها أبداً. وسرعان ما أدرك جون الحقيقة القاسية، فقد أعمته جاذبية نظام مشاركة الأرباح عن مخاطر أخرى لم تكن في الحسبان. وهنت طموحاته، وانقلب النظام الذي كان يُفترض أن يُحفزه ضده. نعتقد أن الجمع بين الراتب الأساسي الثابت والحوافز التقليدية، مثل مكافآت الأداء والتعليم المجاني للأطفال والدخل المعفى من الضرائب في دول الخليج، يُشكل بالفعل نظام تعويضات عادل. ويُعزز وضع الدخل المعفى من الضرائب، لا سيما في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، من القدرة على الكسب بشكل فعال مقارنةً بالدخل الخاضع للضريبة في الدول الغربية. علاوة على ذلك، عززت الإصلاحات الأخيرة في قوانين العمل في السعودية من حماية الموظفين بما يضمن المعاملة العادلة والأمان الوظيفي وآليات تسوية النزاعات. وتُساهم هذه البيئة التنظيمية في توفير ظروف عمل متوازنة ومنصفة لكل من الموظفين الأجانب والمحليين على حدٍ سواء. |
|
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |