|
في مطلع عام 2024، سطع نجم طالب سعودي واعد من الكلية التقنية بالرياض، بعدما حقق إنجازاً عالمياً بتصدره منافسات هندسة الطيران في إطار فعاليات المعرض الدولي المرموق للاختراع والابتكار والتقنية (ITEX). لم يقتصر تكريمه على ذلك، بل حاز أيضاً على جائزة أفضل مبتكر شاب في العالم المقدمة من سنغافورة. يعزز اختراع الشاب السعودي الرائد، وهو عبارة عن مركب كيميائي جديد يعمل كطلاء فائق الامتصاص للموجات الرادارية، قدرات التخفي للطائرات العسكرية، ما يبرز القيمة الاستراتيجية للابتكار وارتباطها الوثيق بالدفاع الوطني. وقبل ثماني سنوات، كان مبتكر سعودي آخر قد أثرى الساحة العلمية باختراعٍ شامل في 2017، حيث طور لعبة الحروف التعليمية المصممة خصيصاً لخدمة المكفوفين. يتجاوز هذا الابتكار متعدد التخصصات حدود قطاعات التعليم ودعم ذوي الإعاقة والترفيه والألعاب. وبفضل دمج فعالية طريقة برايل في تطبيق رقمي يمكن تنزيله بسهولة، تخطى هذا المنتج وسائل التعليم التقليدية، مُعززاً شمولية السوق بشكل كبير. لقد حظي إنجاز هذا المبتكر بتقدير دولي تمثل في حصوله على الميدالية الذهبية من جمعية المخترعين البرتغاليين، مما يُشير بقوة إلى تنامي نفوذ المملكة العربية السعودية في ميدان الملكية الفكرية عالمياً. تُبرز هذه النماذج الدور المحوري للتطور الاستراتيجي وحماية أصول الملكية الفكرية باعتبارها استثمارات غير ملموسة ذات أهمية بالغة بالنسبة للمملكة وللشركات الراعية لمثل هذه العقول السعودية اللامعة، على حد سواء. يتمحور تحليلنا هذا الأسبوع حول كيفية مساهمة المملكة، من خلال تطوير محافظ قوية للملكية الفكرية، في تعزيز فعالية منظومات الابتكار الجاذبة لرؤوس الأموال الاستثمارية، ومن ثم تحفيز النمو الاقتصادي المستدام وتعزيز خلق القيمة لمساهمي كيانات الاستثمار المؤسسي أو الشركات التي تستثمر في المواهب السعودية بعلامات تجارية جديدة في السوق. بالتالي، تُسهم هذه المساعي في ترسيخ مكانة المملكة العربية السعودية كلاعب محوري في اقتصاد المعرفة، حيث تُعد الأصول غير الملموسة القائمة على الابتكار ذات أهمية قصوى للمرونة الاقتصادية على المدى الطويل. لعقود، اعتمد المواطنون السعوديون والمقيمون في المملكة على العلامات التجارية العالمية لمواكبة أحدث التوجهات عبر قطاعات متعددة ابتداءا من الطاقة ومروروا بقطاعات استهلاكية كمستحضرات التجميل والأزياء والأغذية والمشروبات. بيد أن المشهد الراهن يشهد تحولاً ملحوظاً، إذ يتجه عدد متزايد من المواطنين إلى الشركات المحلية حيث ساهمت ملكياتها الفكرية المبتكرة، التي تتراوح بين تركيبات المنتجات الفريدة إلى العلامات التجارية المميزة، في الإقبال عليها. لا يقتصر ازدهار هذه العلامات التجارية الوطنية، المحمية بحقوق ملكية فكرية، على الازدهار محلياً فحسب؛ بل تجذب قاعدة جماهيرية عريضة من العملاء في الخارج. يتجلى هذا التوجه في ابتكارات تشهدها قطاعات عديدة بقيادة شركات كبرى مدرجة في البورصة السعودية مثل أرامكو و المراعي، حيث يُبرز هذا التحول الدور المحوري للملكية الفكرية في تعزيز التنافسية والجاذبية العالمية للشركات السعودية. في هذا السياق، شهدت براءات الاختراع الممنوحة للمؤسسات، التي تتخذ من المملكة العربية السعودية مقراً لها، نمواً مطرداً منذ الإعلان عن رؤية السعودية 2030 في عام 2016. فقد ارتفعت من براءة اختراع واحدة في ذلك العام إلى 1994 براءة اختراع بحلول سبتمبر 2024، وفقاً لدراسة أكاديمية نشرها معهد النشر الرقمي متعدد التخصصات (Multidisciplinary Digital Publishing Institute) في العام الماضي. ![]() يُعد مكتب الولايات المتحدة لبراءات الاختراع والعلامات التجارية (USPTO) الوجهة الأكثر تفضيلاً لتسجيل براءات الاختراع السعودية بإجمالي 7756 براءة اختراع، مما يعكس الأهمية الاستراتيجية للسوق الأمريكية. وتليه الهيئة السعودية للملكية الفكرية (SAIP) بواقع 1929 براءة اختراع، ما يعكس تركيز المملكة على تعزيز الابتكار المحلي ضمن أهداف رؤية 2030. بينما يحل المكتب الأوروبي لبراءات الاختراع (EPO) في المرتبة الثالثة بنحو 554 طلب براءة اختراع، وهو ما يدل على استهداف المؤسسات السعودية للأسواق الأوروبية أيضاً. كما تُشكل قطاعات الكيمياء العضوية والحوسبة النصيب الأكبر من هذه البراءات بعد قطاع الطاقة بإجمالي 646 و 505 براءة اختراع، على التوالي. تُسلط تلك المعدلات الضوء على الأهمية المتزايدة للتقنيات الرقمية في منظومة الابتكار السعودية. فيما تُساهم التركيبات الدوائية بنحو 383 براءة اختراع، ما يكشف عن ابتكارات فائقة في مجال تطوير الأدوية وتقنيات الرعاية الصحية.
📈 الملكية الفكرية وتعزيز سعر السهم من المنظور المالي، تُعتبر حقوق الملكية الفكرية، بما تنطوي عليه من براءات اختراع وعلامات تجارية وهويات بصرية مميزة لتلك العلامات، مؤشراً واضحاً على المزايا التنافسية المستدامة والقدرة على تحقيق تدفقات نقدية مستقبلية أعلى، وهي عوامل ترفع من القيمة السوقية للشركة و تُدرجها تقييمات المستثمرين في أسعار الأسهم. عند تحليل تأثير براءات الاختراع والعلامات التجارية بشكل منفصل، يتضح أن لكل منهما تأثير إيجابي على تقييم السوق للشركة. غير أن الجمع بين الجزأين الرئيسيين في الملكية الفكرية (العلامة التجارية وبراءة الاختراع) من شأنه أن يُدر فوائد لا يمكن تحقيقها بالنظر إلى كل أصل على حدة. ووفقاً لدراسة نشرتها المفوضية الأوروبية بعنوان تقييم الشركات في السوق وأصول الملكية الفكرية، فإن زيادةً بنسبة 1% في عدد براءات الاختراع مقارنةً بالمنافسين تُعادل زيادةً في قيمة الشركة السوقية بنحو 12.8%. كما أن زيادة قدرها 1% في عدد العلامات التجارية المملوكة للشركة تقابلها زيادة في قيمتها السوقية بأكثر من 16%. ![]() لنفترض أن شركة ما لديها براءات اختراع وعلامات تجارية تزيد بنسبة 20% عن منافسيها في الصناعة ذاتها. يُقابل هذا زيادة تقريبية في القيمة السوقية لتلك الشركة كالتالي: ● لبراءات الاختراع : 20% × 12.8% = 2.56% ● للعلامات التجارية : 20% × 16% = 3.2% وإذا افترضنا، لأغراض التوضيح في هذا التحليل، أن القيمة السوقية للشركة دون احتساب حقوق الملكية الفكرية تبلغ مليار دولار فإن: ● أفضلية براءات الاختراع وحدها يمكن أن ترفع القيمة السوقية للشركة بنحو 25.6 مليون دولار. ● أفضلية العلامات التجارية وحدها يمكن أن ترفع القيمة السوقية للشركة بنحو 32 مليون دولار. ● فيمكن أن يرفع تأثيرهما مجتمعين الزيادة الإجمالية في القيمة السوقية للشركة بأكثر من 60 مليون دولار. وبينما يُعد البحث والتطوير أساساً للابتكار ودعم الملكية الفكرية، إلا أن المستثمرين قد ينظرون بحذر إلى الشركات التي تُظهر ارتفاعاً غير متناسب في هذه النفقات مقارنة باستثماراتها في رأس المال المادي. ينبع هذا من التخوف من تحقيق العوائد المرتبطة بالبحث والتطوير إذ استغرق الأمر وقتا طويلا، إذ أن هذه النفقات الكبيرة لا تتحول دائماً بسرعة إلى ابتكارات قيّمة وقابلة للحماية أو منتجات قابلة للتسويق التجاري يمكنها أن تُدر إيرادات فورية أو تُعزز الحصة السوقية. على سبيل المثال، تستثمر شركات الأدوية بكثافة في البحث والتطوير لابتكار أدوية جديدة وبناء محافظ قوية من براءات الاختراع، التي بدورها تحمي حصريتها في السوق. ومع ذلك، إلى أن تتحقق تلك البراءات والمنتجات وتدر الإيرادات، قد يؤثر التركيز الشديد على البحث والتطوير في المراحل الأولية على تقييمها. ختاماً، عندما تُظهر المملكة العربية السعودية قدرة على حيازة أصول ملكية فكرية أقوى أو أكثر عدداً مقارنة بدول الأخرى، مدعومة بالقدرات الابتكارية والعلامات التجارية لشركاتها، فإن هذا يُرسل رسالة بالغة الأثر للمستثمرين و حول إمكانات المملكة لتحقيق نمو اقتصادي مستقبلي. |
|
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |