|
في بلد تشكّل فيه السيارات جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية والاقتصاد الكلي، قد تجد السعودية نفسها أمام تحد مالي في السنوات المقبلة يفرضه التحوّل المتسارع نحو المركبات الكهربائية على حساب نظيراتها التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي. وفي ظل التراجع الحتمي المستقبلي لقاعدة الضرائب المفروضة على وقود المركبات نظرا للازدياد المطرد في أعداد السيارات الكهربائية، والتي تشكل أحد أهم أعمدة الإيرادات غير النفطية منذ رفع ضريبة القيمة المضافة إلى ثلاثة أضعاف قيمتها من 5% إلى 15% في يوليو 2020، تتجه المملكة نحو مرحلة انتقالية قد تعيد تشكيل مصادر إيراداتها غير النفطية لسد الفجوة المتوقعة في إيرادات الخزانة العامة وتطوير سياسة ضريبية بديلة تستوعب تغيرات سوق النقل. غير أن الحكومة لا تنشر أرقاماً منفصلة خاصة بالإيرادات السنوية من ضريبة القيمة المضافة على وقود السيارات تحديداً، إذ تُدرج هذه الإيرادات ضمن إجمالي بنود الضرائب غير النفطية. وقد بلغ متوسط استهلاك البنزين في المملكة نحو 514 ألف برميل يومياً في 2024. من هنا، يتناول تحليلنا مقترحاً لسياسة جديدة لفرض ضريبة على تكاليف شحن المركبات الكهربائية في السعودية، لتعويض الانخفاض المتوقع في الإيرادات الضريبية الناتج عن تراجع استخدام المركبات العاملة بالوقود التقليدي. تشير البيانات الحديثة إلى أن نصف المواطنين السعوديين باتوا منفتحين على شراء مركبة كهربائية. وتعد ضرائب الوقود مصدراً رئيسياً لتمويل تطوير وصيانة البنية التحتية للنقل. وشهدت أسعار الوقود ارتفاعات بين عامي 2010 و2025، حيث ارتفع سعر بنزين 91 من نحو 0.45 ريال إلى 2.18 ريال، بواقع خمسة أضعاف تقريباً. وفي يوليو 2021،كانت المملكة على موعد مع تحول كبير في سياستها المالية، حيث وضعت الحكومة سقفاً لأسعار البنزين عند 2.18 ريال لبنزين 91 و2.33 ريال لبنزين 95، وذلك لتخفيف تكاليف المعيشة على المواطنين، مع التزام الدولة بتغطية أي فروق في التكلفة تتجاوز هذا السقف. أما الديزل، الذي ظل مدعوماً لفترة طويلة في قطاعي النقل والصناعة، فقد واصل ارتفاعه على مراحل. ففي يناير 2024، ارتفع سعره بنسبة 53%، وشهد زيادة إضافية قدرها 44% في يناير 2025 ليصل سعر اللتر إلى 1.66 ريال تقريباً (0.44 دولار). تستهدف المملكة زيادة الاعتماد على المركبات الكهربائية بين المواطنين بنسبة 30% بحلول 2030. ومع استعداد أول علامة تجارية محلية للمركبات الكهربائية سير (Ceer) لبدء الإنتاج في 2026، تبدو السوق السعودية أيضاً وجهة واعدة لكبرى العلامات التجارية العالمية، مثل تسلا (Tesla) الأمريكية و بي واي دي (BYD) الصينية. وقد خصّصت المملكة نحو 40 مليار دولار لتطوير البنية التحتية وتصنيع المركبات الكهربائية، وهو استثمار ضخم يقود نمو السوق سنوياً بمعدل ضخم يقارب 32.1%، فيما يُتوقع أن تقفز قيمة القطاع إلى 32.2 مليار دولار بحلول 2032. كما تشهد البنية التحتية لشحن المركبات الكهربائية توسعاً سريعاً، حيث ارتفع عدد محطات الشحن من 1,200 محطة في 2023 إلى 5 آلاف محطة بحلول 2025، مع استهداف توفير 50 ألف محطة بحلول 2030. في نفس السياق، تعمل الحكومة على نشر محطات الشحن السريع على الطرق الحيوية، بما في ذلك طريق الرياض- مكة بطول 900 كيلومتر تقريباً، والذي لا تتوفر فيه حالياً أي محطات شحن. وعلى الصعيد التقني، يعكف الباحثون السعوديون على تطوير بطاريات الحالة الصلبة (Solid-state Batteries) لتحسين أداء السيارات الكهربائية في ظروف الصيف القاسية. 📊 مؤشر استعداد المستهلك للدفع (Willingness-to-Pay) تمثل تكاليف الشحن أساساً مالياً لاحتساب الضريبة المقترحة على شحن المركبات الكهربائية. لنأخذ، على سبيل المثال، مركبة كهربائية ببطارية سعتها 64 كيلوواط/ساعة، ومع تكلفة كهرباء تبلغ نحو 0.18 ريال لكل كيلوواط/ساعة في السعودية، تصل تكلفة إعادة شحن بطاريتها بالكامل في المنزل إلى حوالي 11.52 ريال. أما في الأماكن العامة، مثل المجمّعات التجارية والمقار المكتبية ومواقف السيارات العامة، فتكون الأسعار أعلى مقارنةً بأسعار الاستهلاك المنزلي، حيث تقدّر بنحو 0.32 ريال لكل كيلوواط/ساعة، وبالتالي تصبح تكلفة الشحن الكامل لنفس السيارة 19.20 ريال تقريباً. وقد اعتمدنا في تحليلنا على أبحاث أكاديمية لتقدير الضريبة المحتملة على شحن المركبات الكهربائية في حال قررت المملكة تعديل سياستها مستقبلاً. وبناءً على تكلفة 0.18 ريال لكل كيلوواط/ساعة، يتعين تحديد كفاءة المركبة الكهربائية فيما يتعلق بعدد الكيلومترات التي يمكن أن تقطعها لكل كيلوواط/ساعة. فعلى سبيل المثال، تقطع سيارة تسلا ما بين 5 إلى 7 كيلومتر لكل كيلوواط/ساعة من الكهرباء. بعد ذلك، يتم احتساب معدل الضريبة لكل كيلوواط/ساعة بناءً على مؤشر قابلية المستهلك للدفع، وهو مقياس يعتمد على استطلاعات عامة لقياس استعداد المستهلكين لدفع تكلفة إضافية لكل كيلومتر (أو ميل) يُقطع بالمركبة الكهربائية، بما يكفي لتغطية الأعباء الضريبية المقترحة. ![]() إذا استهلك شخص في السعودية مثلاً 150 لتر من بنزين 95 شهرياً، حيث يبلغ سعر اللتر 2.33 ريال وتُفرض ضريبة قيمة مضافة بنسبة 15% على كل لتر، فإن إجمالي التكلفة الشهرية للوقود شاملاً الضريبة يصل إلى نحو 402.68 ريال، بينما تبلغ قيمة الضريبة المدفوعة وحدها نحو 52.40 ريال. ولكي تحافظ الحكومة على استقرار إيراداتها الضريبية مع تزايد استخدام المركبات الكهربائية عاماً بعد عام، سيكون من الضروري تعديل الضرائب المفروضة على المركبات الكهربائية على أساس الكيلومتر، نظرا للصعوبة التقنية في حساب استهلاك الكهرباء من المنازل المخصصة لشحن السيارة فقط، لتوازي إيرادات الضريبة المفروضة على الوقود حالياً عند دخول السياسة الجديدة حيّز التنفيذ. وتُقدم المملكة المتحدة مثالاً واقعياً يوضّح هذه الفكرة، حيث سيخضع سائقو المركبات الكهربائية في المملكة المتحدة لضريبة مقدارها ثلاثة بنسات (0.04 دولار) لكل ميل تقطعه المركبات الكهربائية بالكامل، فيما ستُطبق نصف هذه الضريبة على ما تقطعه المركبات الهجينة القابلة للشحن من أميال، ابتداءً من 2028. وبحسب النظام الضريبي الجديد، سيدفع السائق الذي يقطع 8 آلاف ميل سنوياً، وهو المعدل الطبيعي، ما مجموعه 240 جنيهاً إسترلينياً سنوياً. مع ذلك، ستظل المركبات الكهربائية أكثر جاذبية من المركبات التي تعمل بالبنزين والديزل، إذ تبلغ كلفة الضرائب على الوقود لتلك السيارات نحو 480 جنيهاً إسترلينياً سنوياً كرسوم ضريبية للسيارة الواحدة. ومن المتوقع أن تُدر الضريبة الجديدة نحو 1.9 مليار جنيه إسترليني لخزينة الدولة بحلول نهاية العقد الحالي. تشكل الضرائب المفروضة على مبيعات الوقود عند محطات الخدمة (Forecourt Taxes) جزءاً كبيراً من إيرادات الحكومة البريطانية، حيث بلغت 24.4 مليار جنيه إسترليني خلال السنة المالية 2024-2025. ويتوقع مكتب مسؤولية الميزانية البريطاني أن تهوي هذه الإيرادات من 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي اليوم إلى نحو 0.1% فقط بحلول العام المالي 2050-2051. ومن المنتظر أن يعوض النظام الجديد ربع هذا العجز تقريباً.
ملاحظة: ضرائب الوقود عند محطات الخدمة (Forecourt Taxes) هي ضرائب تُحصل عند نقطة بيع البنزين أو الديزل مباشرة، حيث تتم عملية التزويد بالوقود في الساحة الأمامية (Forecourt) للمحطات.) ![]() وتبرز حالة أخرى لافتة من كوريا الجنوبية، فقد خلصت إحدى الدراسات إلى أنه بحلول عام 2050، ومن دون فرض ضرائب إضافية على المركبات الكهربائية، قد تنخفض الإيرادات الضريبية بأكثر من 80% مقارنة بعام 2022، وهو ما يهدد استدامة التمويل المخصّص لمشروعات النقل في البلاد. ويتماشى فرض ضرائب على شحن المركبات الكهربائية مع مبدأ العدالة الضريبية، إذ يضمن أن يسهم جميع مستخدمي المركبات في تكاليف البنية التحتية للطرق بشكل متكافئ، ويحول دون انتقال العبء الضريبي بالكامل إلى مالكي المركبات العاملة بالوقود الأحفوري. وبما أن سائقي المركبات الكهربائية يستفيدون من الطرق والبنية التحتية المرتبطة بها دون دفع ضرائب الوقود، فإن فرض رسوم عليهم يساعد في تعزيز مبدأ تحميل سائقي المركبات تكلفة استهلاك البنية التحتية في نظام ضرائب النقل، والذي ينص على أن جميع الأفراد يجب أن يساهموا في تكاليف البنية التحتية على نحو يتناسب مع حجم استفادتهم منها. وفي غياب هذه الضرائب، سيستفيد مستخدمو المركبات الكهربائية من بنية تحتية ممولة إلى حد كبير من مالكي المركبات التقليدية، من دون دفع حصتهم العادلة، مما يخل بالتوزيع المنصف للتكاليف ويقوّض نزاهة النظام الضريبي. |
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |