|
يركز تحليلنا هذا الأسبوع على الإطار التنظيمي الراهن والمتطلبات المتزايدة للشفافية المتعلقة بتبني التقنيات المالية وحيازة الأصول الرقمية في المملكة العربية السعودية، والذي يستقصي إمكانية إدراج البتكوين تحديداً كضمانة في الميزانيات العمومية للشركات. يعني هذا اقتراح بتمكين حاملي البتكوين من استغلال أصولهم الرقمية كرافعة مالية للحصول على التمويل وجمع رؤوس الأموال دون الاضطرار إلى تصفية أصولهم المعروفة بـ الذهب الرقمي، ما يُمكنهم من جني الأرباح المحتملة جراء الارتفاعات المستقبلية في قيمتها. فبدلاً من البيع المباشر، تُقدَم عملات البتكوين كضمانة عينية للمقرضين. يُضاف إلى ذلك، التزايد المطرد في السعودية في حجم التداول عبر المنصات الخارجية وشبكات الند للند peer–to-peer، كعاملٍ محفّز يدعم اعتبار البتكوين كضمانة في الميزانيات العمومية للشركات، والذي يُغذّيه جيلٌ شاب يتمتع ببراعة رقمية فائقة، بالإضافة إلى الانتشار الواسع للخدمات المصرفية عبر الأجهزة المحمولة. قد تُمكن البيئات التنظيمية التجريبية في المملكة المؤسسات المالية وشركات التقنية المالية من استكشاف جدوى استخدام البتكوين في الإقراض المضمون. سيزود هذا الإطار المُحكَم صانعي السياسات ببيانات ثاقبة حول مدى تقبل السوق وتأثيرات السيولة والتحديات التشغيلية المحتملة، فضلاً عن تمكين القطاع المالي من الابتكار بمسؤولية. شهد قطاع التقنية المالية السعودي توسعاً لافتاً خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك توظيف تقنية البلوكتشين (Blockchain) التي تتيح تسجيل المعاملات بشكل آمن وشفاف وغير قابل للتلاعب. فقد ارتفع عدد شركات التقنية المالية من أقل من 20 شركة في 2018 إلى أكثر من 200 شركة بحلول 2024. ورغم أنه لا توجد بيانات رسمية أو غير رسمية تتسم بالدقة متاحة بشأن إيرادات سوق العملات المشفرة في المملكة، إلا أن بعض التوقعات تشير إلى أنها قد تصل إلى 769.2 مليون دولار تقريباً بحلول نهاية عام 2025. على الصعيد العالمي، حققت الولايات المتحدة أعلى الإيرادات بواقع 16.1 مليار دولار في 2025. يُبرز هذا الفارق الشاسع النضج النسبي وحجم منظومة العملات المشفرة في الولايات المتحدة. لقد أرسى أمران تنفيذيان رئاسيان معالم هذا التطور في سوق العملات المشفرة الأمريكية. يهدف الأول إلى إلغاء القيود التنظيمية على هذا النشاط الاقتصادي وتيسير ريادة الولايات المتحدة في فضاء العملات المشفرة. أما الثاني، فقد أنشأ احتياطياً استراتيجياً لمراكمة مخزونات من البتكوين وغيرها من العملات المشفرة، مما يُرسخ مكانتها كفئة جديدة من الأصول الوطنية السيادية. ![]() عادةً، تُصنف البتكوين في الميزانيات العمومية للشركات كأصل غير ملموس، ويُسجل الاعتراف الأولي بالبتكوين بتحديد كلفتها، أي سعر الشراء شاملاً رسوم المعاملات. ولكن، إذا انخفضت قيمتها السوقية عن تكلفتها المسجلة في الميزانية العمومية، فعلى الشركة خفض قيمتها إلى سعر السوق مع الاعتراف بتكبد خسارة. مع ذلك، لا يمكن تحويل هذه الخسارة إلى ربح إذا ارتفعت القيمة السوقية لاحقاً، وذلك لضمان عدم تضخيم قيمة الأصل. يوضح هذا النهج للمستثمرين والمساهمين مخاطر تعرض الشركة للأصول الرقمية. بإدراج البتكوين في ميزانياتها العمومية، تُقر بعض الشركات الكبرى بدورها، الذي يتجاوز مجرد المضاربة، كمخزن للقيمة وأصل رقمي يُضاهي الأدوات المالية التقليدية. لا تُقيّم هذه الشركات أداء بتكوين من خلال مؤشرات الأداء الرئيسية التقليدية كربحية السهم أو الأرباح قبل دفع الفوائد والضرائب ومُخَصص الاستِهلاك وإطفاء الدَّين، بل عبر منظور مالي خاص بتلك العملة الرقمية، مسترشدةً في ذلك بثلاثة معايير: ![]() تُجسد شركة مايكروستراتيجي (MicroStrategy)، التي تأسست بدايةً في 1989 تحت اسم استراتيجي، نموذجاً لتطور مؤسسي لافت يؤكد نجاحها في الاستفادة من الابتكار المالي والبصيرة الاستراتيجية. يُبرز وضعها كأكبر حائز مؤسسي للبتكوين اليوم في العالم، بواقع 597,325 عملة بقيمة تُقارب 64 مليار دولار اعتباراً من 30 يونيو 2025، تبنيها الرائد للأصول المالية التي تركز على العملات المشفرة. اضطلعت مايكروستراتيجي بدور ريادي في اعتماد معايير مالية تتمحور حول العملات المشفرة، مُميزة نفسها كسبّاقة بين الشركات المتداولة علناً في دمج حيازات العملات المشفرة ضمن تقاريرها المالية وإطار عملها الاستراتيجي. يعكس هذا النهج المبتكر إدراك الشركة لتميز بتكوين ليس كمجرد أصل استثماري، بل كمكون محوري في إدارة الأصول المالية للشرك. تُعبر هذه الخطوة الاستراتيجية عن نهج استباقي يتسق مع النتائج التي تُشير إلى أن التبني المبكر للتقنيات المالية والشفافية ودمج المعايير المبتكرة يمكن أن يُعزز الأداء المؤسسي بشكل كبير. مُولت أحدث مشتريات استراتيجي من البتكوين عبر مزيج من رأس المال المجموع من خلال بيع الأسهم العادية (MSTR) والأسهم الممتازة المصدرة حديثاً (STRK) و(STRF)، وهي رموز تداول في بورصة "ناسداك". ![]() ختاماً، قد يُتيح تبني بتكوين كضمانة للشركات والمؤسسات المالية في المملكة العربية السعودية الوصول إلى فئة جديدة من الأصول الرقمية تتجاوز الأشكال التقليدية كالنقد أو العقارات. كما يوفر استغلال بتكوين كآلية ضمان مرونة متزايدة وفرصاً موسعة للشركات للحصول على التمويل وجمع رؤوس الأموال. يُؤكد ذلك على الأهمية المتزايدة للعملات المشفرة دولياً ليس فقط كأدوات استثمارية، بل كأدوات عملية يمكنها تسهيل الاقتراض والإقراض وتطوير حلول مبتكرة لأسواق رأس المال. |
|
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |