|
لسنوات عديدة، كان والدا عائلة هندية من خمسة أفراد جزءاً لا يتجزأ من شركة تصنيع محلية في قلب أحد أحياء الرياض الصاخبة. وبدا نظام الذكاء الاصطناعي، الذي تَعهد بخدماتهم الصحية بدءاً من إدارة الأمراض المزمنة وصولاً إلى الفحوصات الروتينية، مُدركاً تماماً لاحتياجاتهم طيلة هذه السنوات. فقد قرر نموذج الذكاء الاصطناعي، المدرب على سجلات صحية تاريخية تعكس أنماط هذه العائلة ومثيلاتها، تدخلات طبية بالغة الدقة في التوقيت الأمثل. لكن العائلة قررت العودة للهند بعد عقدين من الزمن، فعادت العائلة إلى موطنها لتحل محلها أسرة باكستانية وافدة حديثاً إلى العاصمة السعودية، والمؤلفة أيضاً من خمسة أفراد يحملون معهم خلفيات صحية وأنماط مختلفة للرعاية الطبية. حينها، عَانى نظام الذكاء الاصطناعي، المستند إلى تدريبه الأساسي على بيانات العائلة الهندية، صعوبة جمة. فأخفق في استيعاب حالات صحية جديدة سائدة في مجتمع العائلة الجديدة، وعجز عن تمييز أنماط الاحتياجات الصحية المستجدة المرتبطة بقطاع عملهم المغاير وممارساتهم الثقافية وأنماط حياتهم. ![]()
تُشكل هذه السردية مثالاً بليغاً لتحدٍ جوهري يُواجه توظيف الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية بالمملكة العربية السعودية، رغم القفزات النوعية التي أحرزتها المملكة منذ إطلاق رؤية 2030 في 2016. يتجلى هذا التحدي في الطبيعة المتغيرة والإحلال المستمر للسكان الوافدين. يضيف الحجم المتنامي والمُعتبر للجالية الوافدة في المملكة العربية السعودية، الذي ارتفع من 14.5 مليون نسمة في 2023 إلى نحو 15.7 مليون نسمة في 2024 بما يمثل 75.6% من إجمالي النمو السكاني، تعقيداً بالغاً لمسألة قابلية تعميم أنظمة الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية. فغالباً ما ينحدر الوافدون من أصول عرقية ويتمتعون باستعدادت وراثية متنوعة ربما تختلف بشكل كبير عن تلك السائدة بين المواطنين السعوديين. ![]() قد تفشل نماذج الذكاء الاصطناعي، المُدربة بالأساس على بيانات المواطنين السعوديين أو مجموعات سكانية أخرى متجانسة، في التعميم بدقة على هذه الشريحة السكانية المتنوعة بما تنطوي عليه من معدلات انتشار الأمراض أو الأعراض السريرية أو الاستعدادات الوراثية، الأمر الذي يهدد بحدوث أخطاء تشخيصية. لذا، تستلزم قابلية التعميم تدريب وتحديث مستمرين لمجموعات البيانات الخاصة بالذكاء الاصطناعي بحيث تعكس التنوع السريري والديموغرافي الفعلي للسكان، ما يُعزز الاستخدام الفعال لنماذج الذكاء الاصطناعي في إطار المبادرات المتقدمة في المستشفيات الكبرى. ![]()
تُجسد الجهود السعودية الرائدة في المنطقة لدمج الذكاء الاصطناعي ضمن منظومة الرعاية الصحية نهجاً استشرافياً يهدف إلى الارتقاء بالتشخيص الطبي وتحسين رعاية المرضى. في هذا الإطار، أطلقت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بالتعاون مع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA) نموذج ميني جي بي تي – ميد (MiniGPT-Med)، وهو نموذج لغوي متقدم للذكاء الاصطناعي مدمج بالرؤية وقادر على تحديد 14 مرضاً مختلفاً. ![]()
كما استغل مستشفى الملك فيصل التخصصي، ومركز الأبحاث الملحق به، الذكاء الاصطناعي في توليد الخلايا التائية المستقبلة للمستضدات الخيمرية CAR-T)) لتوفير العلاجات المناعية للسرطان. كما أجرى نموذج الذكاء الاصطناعي سبعة آلاف اختبار لتسلسل الجينوم الكامل لتقييم الاستعدادات الوراثية. ![]()
وفي سياق متصل، عقدت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي شراكة مع مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون لتطوير نموذج الذكاء الاصطناعي عيناي (Eyenai) للكشف عن اعتلال الشبكية السكري. ![]()
بالإضافة إلى ذلك، أبرم مستشفى صحة الافتراضي بالمملكة اتفاقية مع شركة لونيت (Lunit) الكورية الجنوبية المتخصصة في التقنية الصحية بغرض تقديم حلول مدعومة بالذكاء الاصطناعي لفحص سرطان الثدي والسل. كما ساهمت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية (KACST) في تطوير نظام آخر للذكاء الاصطناعي يهدف إلى تقسيم أورام الدماغ بغية تحسين دقة فحوصات الرنين المغناطيسي. ![]()
💵 تكلفة كبيرة للتحديث يتجاوز توظيف أداة تشخيص تعتمد على الذكاء الاصطناعي في بيئة رعاية صحية ديناميكية مجرد الاستثمار الأولي. فالحفاظ على دقتها وفاعليتها يتطلب، بصفة خاصة، تحديثاً دورياً للبيانات الأساسية لتعكس الخصائص المتغيرة للمرضى. كما تنطوي العملية الممتدة لجمع البيانات وتنقيتها ودمجها على تكاليف باهظة ينبغي دراستها بعناية لضمان استمرارية أداة الذكاء الاصطناعي في تقديم دعم سريري موثوق بمرور الوقت. لِنَسُق مثالاً افتراضياً لتوضيح تكاليف تحديث الذكاء الاصطناعي، حيث يُقرر أحد أنظمة الرعاية الصحية واسعة النطاق تطبيق أداة تشخيص تعمل بالذكاء الاصطناعي لدعم اتخاذ القرارات الطبية. يبلغ الاستثمار الأولي لتطوير ونشر هذه الأداة وتدريب الكوادر عليها 2 مليون دولار. وعلى الرغم من أن هذا الرقم يغطي الإطلاق الأولي للأداة، إلا أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد. فنظراً للطبيعة الديناميكية والتطور المستمر للسكان الوافدين الذين يخدمهم هذا النظام، تظل خصائص المجتمع من حيث الملفات الصحية وانتشار الأمراض وأنماط السعي للحصول على الرعاية الطبية في حالة تغير دائم. لذلك، يتعين على نظام الرعاية الصحية إعادة تدريب النموذج وتحديثه سنوياً لضمان محافظة الذكاء الاصطناعي على دقته وفاعليته في تلبية متطلبات هذه الفئة السكانية المتغيرة في المملكة. بالتالي، تقتضي هذه العملية إنفاقات سنوية ضخمة. أولاً، تبلغ تكلفة جمع وتنقية البيانات الجديدة التي تلتقط أحدث الاتجاهات الصحية ضمن مجتمع الوافدين قرابة 200 ألف دولار (عل سبيل المثال لأغراض الشرح في هذا التحليل). بعد ذلك، يجب أن يخضع نموذج الذكاء الاصطناعي نفسه للتدريب والتحقق للتكيف مع المعلومات الجديدة، وهو ما يكبد الميزانية 300 ألف دولار إضافية. علاوة على ذلك، يتعين على النظام تمويل تدريب الموظفين وتقديم دعم مستمر لتقنية المعلومات بهدف مساعدة الأطباء على استخدام أداة الذكاء الاصطناعي المحدثة بفعالية، ما يتطلب إنفاق 100 ألف دولار أخرى. وبذلك، تبلغ التكلفة الإجمالية لهذه التحديثات السنوية 600 ألف دولار، فيما تتراكم هذه التكاليف المتكررة لتصل إلى 3 ملايين دولار خلال خمس سنوات بالإضافة إلى الاستثمار الأولي البالغ 2 مليون دولار. بالتالي، سيكون نظام الرعاية الصحية قد أنفق ما يقرب من 5 ملايين دولار بحلول نهاية السنوات الخمس الأولى، ليس فقط لتطبيق أداة التشخيص بالذكاء الاصطناعي، بل أيضاً للحفاظ على فعاليتها وضمان تكيفها مع فئته السكانية الوافدة وتغيراتها. يُسلط هذا المثال الضوء على نقطة جوهرية، وهي إن الحفاظ على ملاءمة ودقة الذكاء الاصطناعي في مجتمع يتسم بسرعة التحول والتنوع يتطلب التزاماً مالياً كبيراً يتخطى التكلفة الأولية للشراء.
🔍 صورة واحدة لواقعين مختلفين ثمَّة مثال آخر يُستشهد به غالباً في الأبحاث الأكاديمية المتعلقة بقابلية تعميم الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية، وهو مفهوم الصورة الواحدة، إذ يمكن لالتقاط صورة واحدة في منشأتين طبيتين مختلفتين أن يُحدد إمكانية نجاح أو فشل أدوات الذكاء الاصطناعي في تشخيص مريض السكري. عندما تُلتقط الصورة في مستشفى حضري مجهز جيداً بإضاءة مثالية وكاميرات عالية الدقة، فإنها توفر بيانات بالغة الوضوح والدقة لنظام الذكاء الاصطناعي لتحليلها، ما يُمكن الأخير من تشخيص موثوق لاعتلال الشبكية السكري أو المضاعفات الأخرى. أما إذا التُقطت الصورة في عيادة ريفية أو منشأة طبية ذات موارد محدودة في منطقة نائية، حيث تكون ظروف الإضاءة رديئة والمعدات أقل تقدماً، فقد يُواجه الذكاء الاصطناعي صعوبة في تفسير البيانات بدقة. الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تشخيصات خاطئة أو نتائج سلبية كاذبة، مما يُقوض فعالية نظام الذكاء الاصطناعي. يُبرز هذا الوضع تحدياً أساسياً أمام قابلية تعميم الذكاء الاصطناعي حيث ينبغي أن تمثل بيانات التدريب التنوع المتأصل في البيئات المستهدفة، بما في ذلك التنوع الجغرافي والديموغرافي والتقني، وذلك حتى تؤدي الخوارزميات عملها بشكل موثوق عبر بيئات متعددة. بدون هذه البيانات، تُخاطر أدوات الذكاء الاصطناعي بالفشل في تشخيص بعض الحالات بدقة مثل اعتلال الشبكية السكري، ما قد يُؤدي إلى إغفال حالات مرضية أو تشخيصات إيجابيات كاذبة. لذلك، يجب على الأنظمة الصحية أخذ هذه التكاليف الممتدة في الاعتبار عند التخطيط لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وتقييم تكلفة دمجها فى هذه الأنظمة لضمان واقعية الميزانيات وتقييمات التقنية الصحية بما يعكس النطاق الكامل للاستثمار المطلوب، ومن ثم تحقيق منافع مستدامة ذات جدوى. أخيراً، تظل قابلية تعميم أدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها على أرض الواقع في المجال الطبي بمثابة تحدٍ معقد يعتمد على السياق، إذ غالباً ما تعتمد الأدلة على استرجاع مجموعات بيانات محددة بدقة قد لا تعكس التنوع والتباين في البيئات الطبية الفعلية. |
|
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |