|
|
يستمد الدوري البرتغالي نجاحه من قدرته على استقطاب أفضل المواهب في سن مبكرة وتطويرها. وعند الاستثمار في استكشاف المواهب الاستثنائية صغيرة السن اللذين لا تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة، فذلك يعد استراتيجية اقتصادية ناجحة مثبتة الجدوى في جميع أنحاء العالم يمكنها تحقيق عوائد ضخمة لأندية كرة القدم السعودية وللاقتصاد السعودي ككل. حيث تتيح تلك الاستراتيجية للأندية السعودية استكشاف المواهب الواعدة مبكرًا قبل ارتفاع قيمتها السوقية بشكل مهول. تستطيع الأندية الاستثمار في تدريب تلك المواهب الصغيرة وتطوير مهاراتهم من خلال استقطابهم مبكرًا وهم في سن صغيرة. فهذا الاستثمار طويل الأجل سيحول هؤلاء اللاعبين الصغار إلى أصول مرتفعة القيمة، سواء في الملعب أو في السوق. لا يقتصر دور هذه المواهب الصغيرة على تحسين أداء الفرق وتعزيز التنافس فيما بينها في الدوري السعودي للمحترفين (دوري روشن)، بل يمتد أيضًا ليحقق عوائد مالية من رسوم الانتقالات المجزية، مما يسهم في زيادة الفرص التجارية المحيطة بهم، والتي تشمل عقود الرعاية ومبيعات المنتجات المرتبطة بهم. ولكن الأمر الأكثر أهمية في استقطاب تلك المواهب الصغيرة جدًا بمبالغ قليلة في البدايات أنه يتيح للأندية السعودية تطوير لاعبين مرتفعي الإمكانات داخل النادي بدلاً من إنفاق مبالغ باهظة في شراء نجوم كبار لامعين وفي أعمار متقدمة. يسهم إنشاء منبع المواهب المستدام هذا في تقليل الاستعانة بهؤلاء اللاعبين بأسعار كبيرة لا سيما أنه من المحتمل أن ينخفض أداؤهم وتقل قيمتهم السوقية، مما يؤدي إلى تحسين استغلال الموارد المالية للنادي وضخ رأس المال في مشاريع استثمارات استراتيجية مثل تطوير البنية التحتية. ![]() يبالغ نجوم كرة القدم اللامعين مثل نيمار في المطالبة برواتب عالية، فقد أوردت التقارير أنه حصل على راتب سنوي بقيمة 101 مليون يورو في الدوري السعودي للمحترفين في عام 2024 على الرغم من أنه لم يلعب سوى أوقات قليلة جدًا خلال تلك السنة (حيث ورد أنه لم يلعب سوى 42 دقيقة ثم أصيب بقطع في الرباط الصليبي الأمامي للركبة)، وفسخ نادي الهلال عقده معه في 2025 برضا الطرفين. تتكبد الأندية تكاليف كبيرة جراء تلك النفقات المرتفعة، وهذا يتنافى مع الميزة الاستراتيجية النابعة من الاستثمار في المواهب الصغيرة والتعامل معها كمنهاج أكثر استدامة مجدٍ اقتصاديًا.
⚽ مصانع المواهب في كرة القدم البرتغالية، لطالما رسخت الأندية الكبرى مكانتها ليس فقط كقوى مهيمنة في الملاعب، ولكن أيضًا كمؤسسات رائدة في تطوير المواهب الشابة. فخلال العقدين الماضيين، استثمرت هذه الأندية بشكل كبير في أكاديمياتها، مدركة الفوائد المزدوجة المتمثلة في تنمية اللاعبين المحليين وتحقيق عوائد مالية كبيرة من انتقالاتهم. في هذا التحليل، نركز على إحدى أبرز التجارب لنادي بنفيكا. لقد شكّل قرار النادي استثمار حوالي 15 مليون يورو في عام 2005 لإنشاء مجمّع بنفيكا التدريبي خطوة تاريخية تعكس التزامًا عميقًا بتطوير المواهب في كرة القدم البرتغالية. تم تصميم هذا المجمع الرياضي المتطور ليس فقط لتوفير بنية تحتية على أعلى مستوى ولكن أيضًا لخلق بيئة مثالية يستطيع فيها اللاعبون الشباب صقل مهاراتهم الفنية، وتعزيز فهمهم التكتيكي، وتحسين لياقتهم البدنية بطريقة شاملة. يضم مجمّع بنفيكا التدريبي ملاعب تدريبية عالمية المستوى، ومراكز لياقة، ومنشآت طبية وتأهيلية، إضافةً إلى دعم تعليمي للاعبين، مما يوفر بيئة مثالية لصقل المواهب منذ سن مبكرة. ![]() هذا النهج الاستراتيجي أثمر نتائج مذهلة في السنوات الأخيرة، حيث صعد العديد من اللاعبين الشباب الذين نشأوا في مجمّع بنفيكا التدريبي إلى النجومية العالمية، محققين صفقات انتقال بلغت عشرات الملايين من اليوروهات. أحد أبرز الأمثلة هو جواو فيليكس، الذي نشأ في أكاديمية بنفيكا قبل انتقاله إلى أتلتيكو مدريد عام 2019 مقابل 126 مليون يورو، وهو مبلغ يفوق إجمالي الاستثمار الذي خصصه النادي لإنشاء المجمع التدريبي. ومن الخريجين البارزين أيضًا برناردو سيلفا، الذي انتقل من بنفيكا ب إلى الفريق الأول عام 2014 مقابل 15 مليون يورو، ثم إلى موناكو عام 2015 مقابل 16 مليون يورو، قبل انتقاله إلى مانشستر سيتي عام 2017 مقابل 50 مليون يورو. أما روبن دياز فقد انتقل إلى مانشستر سيتي في صفقة بلغت حوالي 68 مليون يورو. يعكس هؤلاء اللاعبون نجاح بنفيكا في اكتشاف المواهب وصقلها، ليصبحوا نجومًا في أكبر الدوريات الأوروبية، وفي الوقت ذاته يحققون للنادي مكاسب مالية ضخمة من انتقالاتهم.
🔦 تصدير نجوم المستقبل أثبت الدوري البرتغالي الممتاز نفسه كمركز رئيسي ومصدر بارز للمواهب الكروية الشابة إلى أكبر الدوريات الأوروبية، ولا سيما الدوري الإنجليزي الممتاز. كما هو موضح أعلاه، تحقق أكاديميات الأندية مبالغ طائلة من عائدات انتقال اللاعبين، رغم إنفاقها المعتدل نسبيًا، مما يجعل استقطاب المواهب الشابة استراتيجية مالية مربحة للغاية. ![]()
فعلى مدار العقد الماضي، حقق بنفيكا ما يقرب من 1.2 مليار يورو من بيع اللاعبين، ما يعكس قدرة النادي الفريدة على تطوير المواهب الشابة وتسويقها. وفقًا لدراسة أكاديمية حديثة بعنوان الاستراتيجية الجغرافية لاكتشاف اللاعبين الصغار في الأندية البرتغالية، تقدم البرتغال حوالي 130 لاعبًا محترفًا لكل مليون نسمة. وبما أن عدد سكان البرتغال اليوم يبلغ حوالي 10 ملايين نسمة، فإن إجمالي عدد اللاعبين الموهوبين من صغار السن يمكن حسابه على النحو التالي 130 لاعبًا/مليون × 10 = 1300 لاعب محترف. يبرز هذا الرقم كفاءة وفعالية النظام الكروي في البرتغال في تطوير المواهب والاستثمار في إنتاج اللاعبين المحترفين، مما يعزز نجاح البلاد كمصدر رئيسي للمواهب الشابة إلى أكبر الدوريات العالمية. كما يعكس أيضًا الأهمية الثقافية العميقة لكرة القدم في البرتغال. في الختام، برز الدوري السعودي للمحترفين في المنطقة كدوري ناجح شديد التنافسية، ومن خلال إيلاء الأولوية لأكاديميات الصغار وبرامج التدريب، تستطيع الأندية السعودية إنشاء منبع للاعبين مهرة لا يقتصر دوره على الارتقاء بجودة كرة القدم المحلية فحسب، بل يسهم أيضًا في إنشاء أصول قيمة في سوق الرياضة العالمي. وعلى غرار ما تحقق في الدوري الإنجليزي من تنمية اقتصادية واجتماعية في بريطانيا، يجب ان يسعى الدوري السعودي إلى ترسيخ مكانته كقوة كروية إقليمية وعالمية. فبناء منظومة أكاديميات قوية وتصدير مواهب محلية سيكون عاملاً جوهريًا لتحويل كرة القدم السعودية إلى رافد اقتصادي مستدام. ![]() |
|
|
|
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |